المدارس العلمية والحياة الفكرية
اتسمت منطقة القابل في الفترة ( 1273هـ/1856م ـ 1373هـ/1954م ) ببروز الحياة العلمية والفكرية فيها ، فقد كانت قبلة لعدد كبير من العلماء والمفكرين ممن أبدعوا في شتى المجالات وألفوا في شتى صنوف العلم والمعرفة ويرجع ذلك إلى المدارس العلمية التي ظهرت فيها في تلك الفترة والتي كانت ملتقى لطلبة العلم من داخل عمان وخارجها ومن أبرزها :
مدرسة الشيخ سعيد بن علي الصقري وأهم علمائها
أسس هذه المدرسة الشيخ سعيد بن علي بن عيسى بن سعيد بن علي الصقري الريامي الذي ولد في إبراء في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري عاصر الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والإمام عزان بن قيس ومحمد بن سلّيم الغاربي ومحمد بن يوسف أطفيش الذي كان يطلب منه طباعة الكتب التي ألفها على نفقته.
سافر إلى شرق أفريقيا في أواخر عهد السيد سعيد بن سلطان مشتغلا بالتجارة ومتنقلا بينها وبين عمان فكان ميسور الحال ، اتصف بشدة الخشية لله تعالى وكان يتحسر إذا سمع بحرب دائرة بين المساكرة والحرث فكان يقول : " كيف يقابلون ربهم وما هو عذرهم " ، له أموال موقوفة لفعل الخير ولطلبة العلم.
استقر بعد تنقلاته المستمرة بين عمان وشرق أفريقيا في الدريز، بمنطقة القابل ثم استقر في قرية أخرى بمنطقة القابل تسمى فلج مسعود وفي عام 1270هـ/1854م انتقل إلى عز وأجرى فلجها بالإضافة إلى قيامه بأعمال أخرى منها تأسيسه مسجدا ومدرسة فيها فكانت معظم حلقات العلم تقام في مسجد الصقري الذي يقع في الجنوب الغربي من عز ومن أبرز العلوم التي كانت تدرس في هذه المدرسة علوم القرآن الكريم والفقه والعقيدة والسيرة وعلوم الحساب وتخرج منها عدد كبير من العلماء والسياسيين من أبرزهم :
1. الشيخ صالح بن علي الحارثي الذي صاهره بزواجه من ابنته التي أنجبت الشيخ عيسى بن صالح وقد سبق الحديث عن أعماله السياسية وقد لقب بذي الجناحين لجمعه بين رئاسة السيف والقلم ومن أبرز مؤلفاته :
- عين المصالح من أجوبة الشيخ صالح : ويتضمن الكتاب مجموعة من الأجوبة والفتاوى قام بترتيبها أبو الوليد سعود بن حميد بن خليفين آل خليفين فقال في مقدمتها :" فقد طلب مني من وجبت له الطاعة ومن أرجو بامتثال أمره الشفاعة أن أرتب هذا المختصر المفيد الواضح من جوابات الشيخ صالح من تغنى بذكره الباغم والصادح وأثنى عليه البار والطالح الإمام المؤيد من هو للدين أعظم ناصح صالح بن علي بن ناصر بن عيسى بن صالح الحارثي رضي الله عنه وجعله من أهل الميزان الراجح يوم امتحان القرائح وجزاه الله عن الإسلام وأهله الجزاء الصالح وها أنا أشرع بعون الله في امتثال هذا الأمر مستمدا من ذي الجلال مواهب الأفضال راجيا منه سبحانه أن يوزعني لشكره وأن يجعلني من أهل ذكره ومن خدم أهل سره منتظما في سلك أوليائه مقبولا عنده في حضره أصفيائه فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا به ولا ملجأ إلا إليه وسميته عين المصالح في أجوبة الشيخ صالح ". وقد تضمن عده أبواب منها باب في منزله هذا الشيخ في الإسلام وأبواب في الفقه منها باب في النجاسات والطهارة والوضوء والتيمم وفي الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة والإيمان والنذور والكفارات وفي النكاح والطلاق وأحكام عدة الموت والطلاق والعتق و أحكام المماليك والبيوع وفي الشفعة والقرض والرهن وقضاء الدين وفي أموال الأيتام والأمانة والعطايا والانتصار والغصب والوصايا والمساجد والوقف والرموم والأدوية والدعاوي واليمين والميراث والقصاص والحروب وجهاد أهل البغي.
- كتاب عين الرشاد في تفصيل الجهاد وقد أدرج ضمن كتابه عين المصالح وقام بترتيبه أبو الوليد سعود بن حميد آل خليفين وذكر في مقدمته :" فهذه مسائل في الجهاد بل معالم للرشاد ألفها شيخنا المرحوم من علت به همته هام النجوم قدوتنا الولي صالح بن علي وضعها للمريد من العبيد وأوضح فيها الطريق على وجه يليق بمعنى دقيق ولفظ أنيق أهدته إليه يد التوفيق والتحقيق وأسماها عين الرشاد في تفصيل الجهاد ". وقد فرغ من تأليفه في غرة شهر رمضان عام 1310هـ /19 مارس 1893م، وهدف الشيخ صالح من تأليفه هذا الكتاب معالجة المشكلات الاجتماعية السائدة بين القبائل وذلك نتيجة للحروب القبلية التي ابتليت بها عمان بين الغافرية والهناوية مما أدى إلى اختلال أمنها الاجتماعي، وهذا ما يتضح من خلال السؤال التالي : " فإن كان الحارثي لما قتل المساكرة أو الهاشمي لما قتل الحجريين ودخلا في عشيرتهما ولم يقيم المقتولون الحجة على تلك القبيلة القاتل منها بعضهم ولكن بادروهم بالقتل قبل ما الحكم ؟ ". وسؤاله لأستاذه الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي : " ما قولك شيخنا في قبائل أهل عمان المستحوذ عليهم الشيطان لما على قلوبهم من الظلمة والرأن فتظاهروا على البغي والعدوان والظلم والعصيان تمسكا بالحمية الجاهلية ونبذا للكتاب والسنة المحمدية فصاروا يتقاتلون ويتناهبون على الكلمة المصطلح عليها هناوية وغافرية .... ". وقد ابتدأ كتابه في تعريف البغي وصفة الباغي التي تبيح دمه في حكم المسلمين وفي توبة البغاة وحكم القبيلة التي ترفض تسليم الباغي وفي حرب البغاة وتدمير أموالهم وحصونهم وفي إعطاء الأمان لشخص مطلوب إقامة الحد عليه.
2. الشيخ أبو مالك عامر بن خميس المالكي : هو العالم الشاعر الفقيه أبو مالك عامر بن خميس بن مسعود المالكي الشرياني نسبة إلى شريان بن شاري بن يحمد ولد في وادي بني خالد من شرقية عمان واختلف في سنة ولادته والتي رجحت بين عامي 1280هـ ـ 1282هـ / 1864م ـ 1866م. نشأ متنقلا بين عز والقابل ونزوى للاستفادة من مشايخ العلم فدرس على يد الشيخ سعيد بن علي الصقري والشيخ صالح ابن علي الحارثي والشيخ العلامة نور الدين السالمي. ثم استقر به المقام في بدية فبقي فيها. يعد واحدا من أبرز العلماء والشعراء في عهد إمامة الإمام سالم بن راشد الخروصي وإمامة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، أصبح مرجعا للفتوى و الأحكام الشرعية والرأي والسياسة كما أصبح رئيسا للقضاة . تولى ولاية نزوى في عصر الأمام سالم ثم الإمام محمد كما مارس مهمة التدريس فتخرج على يديه علماء كثيرون، كما كانت بينه وبين العلامة نورالدين مراسلات ومباحثات وأسئلة كتبها نظما و نثرا.
ومن أبرز مؤلفاته:
- موارد الألطاف في نظم مختصر العدل والإنصاف : وهو عبارة عن أرجوزة طويلة تقع في 1250 بيت نظم من خلالها كتب مختصر العدل والإنصاف في علم أصول الفقه لمؤلفة أحمد بن سعيد الشماخي النفوسي.
- غاية المراد في الأديان والأحكام : وهي في أربعة مجلدات تزيد على 28 ألف بيت جمع فيها أصول الشريعة وفروعها.
- غاية المطلوب في الأثر المنسوب : وهو كتاب جمع فيه آثار وأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من صحابة وتابعين وأئمة الدين وحملة العلم مقرونة بشواهد من الكتاب والسنة والإجماع.
- غاية التحقيق في أحكام الانتصار والتغريق : وهو عبارة عن رسالة أوضح فيها أدلة الانتصار من الكتاب والسنة وأورد فيها بعض أحكام عمر بن الخطاب على ولاته وقضائه ، كما أوضح فيها صفة التغريق وأحكامه وهي رد على الشيخ عيسى بن صالح الحارثي لما اتهمه في حكمه على أموال الشيخ راشد بن عزّيّز الخصيبي بأنها بيت مال.
- منظومة في الدماء والأروش: ذكر فيها أحكام الجروح وطرق صرفها بالقروش المتداولة بينهم وتصل أبياتها إلى 46 بيتا.
- الدر النظيم من أجوبة أبي مالك بالمناظيم : وهو عبارة عن جوابات لبعض الأسئلة التي وردت إليه من تلاميذه قام بجمعها وترتيبها حسب القافية الشعرية بالحروف الهجائية أحد تلاميذه وهو الشيخ علي بن ناصر الغسيني وسماها بهذا الاسم والحق بها بعض أجوبة العلامة نور الدين السالمي.
توفي الشيخ الفقيه أبو مالك في نزوى ودفن فيها عام 1346هـ/ 1928م وعمره يقارب ستة والستين سنة.
3. ناصر بن مسعود المالكي وعيسى بن سعيد الصقري: توفي الشيخ سعيد سنة 1301هـ/ 1884م ودفن في قرية عز وقد رثاه مجموعة من الشعراء منهم تلميذه عامر بن خميس المالكي.
أهم العلماء والمفكرين في القابل وأهم مؤلفاتهم
إضافة إلى الدور البارز الذي ظهر من عدد كبير من العلماء والمفكرين من منطقة القابل مما سبق ذكرهم برز في المنطقة جملة من العلماء والمفكرين ممن خدموا الحياة العلمية والفكرية في عمان منهم :
1. سليمان بن حميد الحارثي : هو سليمان بن حميد بن عبدالله بن محمد بن عيسى بن راشد الحارثي ولد سنة 1270هـ/1853م بالمضيرب ، نشأ وترعرع على يد والده كان على دراية كبيرة بعلم الكيمياء واستخراج المعادن وبعلم الفلك وخاصة فيما يتعلق بالنجوم والرصد ومعرفة الأوقات ، إضافة إلى إجادته لعلم الهندسة والبناء والتعمير . عاش فترة صباه بالمضيرب فتربى على مبدأ الفروسية واستخدام الأسلحة إلى أن ذاع صيته ولقب بفارس الشلفاء ـ أي طرف الرمح ـ إلا أن الناس تداولت على تسميته بفارس الشرفاء، كان من القادة البارزين في أثناء هجوم الوهابيين على البريمي عام 1290هـ/1871م عندما تقدم الإمام عزان بن قيس بقواته التي تصل إلى 1500 مقاتل إلى البريمي نتيجة استعانة قبائل النعيم به للوقوف ضد الهجوم الوهابي عليها. كان على علاقة بالسلطان خليفة بن حارب سلطان زنجبار وتوجد بينهما مراسلات وخطابات ، خرج إلى زنجبار وأقام فيها فكان من المساندين للسلطان خالد بن برغش في خلافة ضد بريطانيا ومع تزايد نفوذها في زنجبار سجنته الحكومة البريطانية ثم نفته إلى عمان إلا أنه عاد إلى زنجبار عام 1321هـ/1903م وأقام بها إلى أن رجع إلى المضيرب عام 1338هـ/1919م، وظل بها إلى أن توفي في عصر الإمام الخليلي عام 1354هـ/1935م بالمضيرب.
2. عبدالله بن حميد بن عبدالله الحارثي الذي كان طبيبا ماهرا امتاز بفراسة قوية وبقدرة فائقة على تشخيص المرض وعلاجه وهنالك العديد من المواقف التي تشير إلى ذلك منها : " فراسته بموت سليمان بن سويلم وزير السلطان فيصل بعد خروجه من القابل قادما لزيارة الشيخ عيسى بن صالح ومعه سيف محلى بالذهب من أعيان المنطقة للسلطان فقال الطبيب عبدالله لسعيد بن سليم أحد المرافقين له : ليكن نظرك على هذا السيف أظن أن سليمان بن سويلم لا يصل مسقط بل يموت في الطريق فإذا مات فأحفظ السيف حتى ترده لصاحبه فلما كان في وادي العق أطلقت عليه رصاصة فقتلته فرد السيف إلى صاحبه ". توفي سنة 1350هـ/ 1931م بسبب قرحه أصابته فلم يشفى منها وعمره يناهز الستين.
اتسمت منطقة القابل في الفترة ( 1273هـ/1856م ـ 1373هـ/1954م ) ببروز الحياة العلمية والفكرية فيها ، فقد كانت قبلة لعدد كبير من العلماء والمفكرين ممن أبدعوا في شتى المجالات وألفوا في شتى صنوف العلم والمعرفة ويرجع ذلك إلى المدارس العلمية التي ظهرت فيها في تلك الفترة والتي كانت ملتقى لطلبة العلم من داخل عمان وخارجها ومن أبرزها :
مدرسة الشيخ سعيد بن علي الصقري وأهم علمائها
أسس هذه المدرسة الشيخ سعيد بن علي بن عيسى بن سعيد بن علي الصقري الريامي الذي ولد في إبراء في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري عاصر الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والإمام عزان بن قيس ومحمد بن سلّيم الغاربي ومحمد بن يوسف أطفيش الذي كان يطلب منه طباعة الكتب التي ألفها على نفقته.
سافر إلى شرق أفريقيا في أواخر عهد السيد سعيد بن سلطان مشتغلا بالتجارة ومتنقلا بينها وبين عمان فكان ميسور الحال ، اتصف بشدة الخشية لله تعالى وكان يتحسر إذا سمع بحرب دائرة بين المساكرة والحرث فكان يقول : " كيف يقابلون ربهم وما هو عذرهم " ، له أموال موقوفة لفعل الخير ولطلبة العلم.
استقر بعد تنقلاته المستمرة بين عمان وشرق أفريقيا في الدريز، بمنطقة القابل ثم استقر في قرية أخرى بمنطقة القابل تسمى فلج مسعود وفي عام 1270هـ/1854م انتقل إلى عز وأجرى فلجها بالإضافة إلى قيامه بأعمال أخرى منها تأسيسه مسجدا ومدرسة فيها فكانت معظم حلقات العلم تقام في مسجد الصقري الذي يقع في الجنوب الغربي من عز ومن أبرز العلوم التي كانت تدرس في هذه المدرسة علوم القرآن الكريم والفقه والعقيدة والسيرة وعلوم الحساب وتخرج منها عدد كبير من العلماء والسياسيين من أبرزهم :
1. الشيخ صالح بن علي الحارثي الذي صاهره بزواجه من ابنته التي أنجبت الشيخ عيسى بن صالح وقد سبق الحديث عن أعماله السياسية وقد لقب بذي الجناحين لجمعه بين رئاسة السيف والقلم ومن أبرز مؤلفاته :
- عين المصالح من أجوبة الشيخ صالح : ويتضمن الكتاب مجموعة من الأجوبة والفتاوى قام بترتيبها أبو الوليد سعود بن حميد بن خليفين آل خليفين فقال في مقدمتها :" فقد طلب مني من وجبت له الطاعة ومن أرجو بامتثال أمره الشفاعة أن أرتب هذا المختصر المفيد الواضح من جوابات الشيخ صالح من تغنى بذكره الباغم والصادح وأثنى عليه البار والطالح الإمام المؤيد من هو للدين أعظم ناصح صالح بن علي بن ناصر بن عيسى بن صالح الحارثي رضي الله عنه وجعله من أهل الميزان الراجح يوم امتحان القرائح وجزاه الله عن الإسلام وأهله الجزاء الصالح وها أنا أشرع بعون الله في امتثال هذا الأمر مستمدا من ذي الجلال مواهب الأفضال راجيا منه سبحانه أن يوزعني لشكره وأن يجعلني من أهل ذكره ومن خدم أهل سره منتظما في سلك أوليائه مقبولا عنده في حضره أصفيائه فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا به ولا ملجأ إلا إليه وسميته عين المصالح في أجوبة الشيخ صالح ". وقد تضمن عده أبواب منها باب في منزله هذا الشيخ في الإسلام وأبواب في الفقه منها باب في النجاسات والطهارة والوضوء والتيمم وفي الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة والإيمان والنذور والكفارات وفي النكاح والطلاق وأحكام عدة الموت والطلاق والعتق و أحكام المماليك والبيوع وفي الشفعة والقرض والرهن وقضاء الدين وفي أموال الأيتام والأمانة والعطايا والانتصار والغصب والوصايا والمساجد والوقف والرموم والأدوية والدعاوي واليمين والميراث والقصاص والحروب وجهاد أهل البغي.
- كتاب عين الرشاد في تفصيل الجهاد وقد أدرج ضمن كتابه عين المصالح وقام بترتيبه أبو الوليد سعود بن حميد آل خليفين وذكر في مقدمته :" فهذه مسائل في الجهاد بل معالم للرشاد ألفها شيخنا المرحوم من علت به همته هام النجوم قدوتنا الولي صالح بن علي وضعها للمريد من العبيد وأوضح فيها الطريق على وجه يليق بمعنى دقيق ولفظ أنيق أهدته إليه يد التوفيق والتحقيق وأسماها عين الرشاد في تفصيل الجهاد ". وقد فرغ من تأليفه في غرة شهر رمضان عام 1310هـ /19 مارس 1893م، وهدف الشيخ صالح من تأليفه هذا الكتاب معالجة المشكلات الاجتماعية السائدة بين القبائل وذلك نتيجة للحروب القبلية التي ابتليت بها عمان بين الغافرية والهناوية مما أدى إلى اختلال أمنها الاجتماعي، وهذا ما يتضح من خلال السؤال التالي : " فإن كان الحارثي لما قتل المساكرة أو الهاشمي لما قتل الحجريين ودخلا في عشيرتهما ولم يقيم المقتولون الحجة على تلك القبيلة القاتل منها بعضهم ولكن بادروهم بالقتل قبل ما الحكم ؟ ". وسؤاله لأستاذه الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي : " ما قولك شيخنا في قبائل أهل عمان المستحوذ عليهم الشيطان لما على قلوبهم من الظلمة والرأن فتظاهروا على البغي والعدوان والظلم والعصيان تمسكا بالحمية الجاهلية ونبذا للكتاب والسنة المحمدية فصاروا يتقاتلون ويتناهبون على الكلمة المصطلح عليها هناوية وغافرية .... ". وقد ابتدأ كتابه في تعريف البغي وصفة الباغي التي تبيح دمه في حكم المسلمين وفي توبة البغاة وحكم القبيلة التي ترفض تسليم الباغي وفي حرب البغاة وتدمير أموالهم وحصونهم وفي إعطاء الأمان لشخص مطلوب إقامة الحد عليه.
2. الشيخ أبو مالك عامر بن خميس المالكي : هو العالم الشاعر الفقيه أبو مالك عامر بن خميس بن مسعود المالكي الشرياني نسبة إلى شريان بن شاري بن يحمد ولد في وادي بني خالد من شرقية عمان واختلف في سنة ولادته والتي رجحت بين عامي 1280هـ ـ 1282هـ / 1864م ـ 1866م. نشأ متنقلا بين عز والقابل ونزوى للاستفادة من مشايخ العلم فدرس على يد الشيخ سعيد بن علي الصقري والشيخ صالح ابن علي الحارثي والشيخ العلامة نور الدين السالمي. ثم استقر به المقام في بدية فبقي فيها. يعد واحدا من أبرز العلماء والشعراء في عهد إمامة الإمام سالم بن راشد الخروصي وإمامة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، أصبح مرجعا للفتوى و الأحكام الشرعية والرأي والسياسة كما أصبح رئيسا للقضاة . تولى ولاية نزوى في عصر الأمام سالم ثم الإمام محمد كما مارس مهمة التدريس فتخرج على يديه علماء كثيرون، كما كانت بينه وبين العلامة نورالدين مراسلات ومباحثات وأسئلة كتبها نظما و نثرا.
ومن أبرز مؤلفاته:
- موارد الألطاف في نظم مختصر العدل والإنصاف : وهو عبارة عن أرجوزة طويلة تقع في 1250 بيت نظم من خلالها كتب مختصر العدل والإنصاف في علم أصول الفقه لمؤلفة أحمد بن سعيد الشماخي النفوسي.
- غاية المراد في الأديان والأحكام : وهي في أربعة مجلدات تزيد على 28 ألف بيت جمع فيها أصول الشريعة وفروعها.
- غاية المطلوب في الأثر المنسوب : وهو كتاب جمع فيه آثار وأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من صحابة وتابعين وأئمة الدين وحملة العلم مقرونة بشواهد من الكتاب والسنة والإجماع.
- غاية التحقيق في أحكام الانتصار والتغريق : وهو عبارة عن رسالة أوضح فيها أدلة الانتصار من الكتاب والسنة وأورد فيها بعض أحكام عمر بن الخطاب على ولاته وقضائه ، كما أوضح فيها صفة التغريق وأحكامه وهي رد على الشيخ عيسى بن صالح الحارثي لما اتهمه في حكمه على أموال الشيخ راشد بن عزّيّز الخصيبي بأنها بيت مال.
- منظومة في الدماء والأروش: ذكر فيها أحكام الجروح وطرق صرفها بالقروش المتداولة بينهم وتصل أبياتها إلى 46 بيتا.
- الدر النظيم من أجوبة أبي مالك بالمناظيم : وهو عبارة عن جوابات لبعض الأسئلة التي وردت إليه من تلاميذه قام بجمعها وترتيبها حسب القافية الشعرية بالحروف الهجائية أحد تلاميذه وهو الشيخ علي بن ناصر الغسيني وسماها بهذا الاسم والحق بها بعض أجوبة العلامة نور الدين السالمي.
توفي الشيخ الفقيه أبو مالك في نزوى ودفن فيها عام 1346هـ/ 1928م وعمره يقارب ستة والستين سنة.
3. ناصر بن مسعود المالكي وعيسى بن سعيد الصقري: توفي الشيخ سعيد سنة 1301هـ/ 1884م ودفن في قرية عز وقد رثاه مجموعة من الشعراء منهم تلميذه عامر بن خميس المالكي.
أهم العلماء والمفكرين في القابل وأهم مؤلفاتهم
إضافة إلى الدور البارز الذي ظهر من عدد كبير من العلماء والمفكرين من منطقة القابل مما سبق ذكرهم برز في المنطقة جملة من العلماء والمفكرين ممن خدموا الحياة العلمية والفكرية في عمان منهم :
1. سليمان بن حميد الحارثي : هو سليمان بن حميد بن عبدالله بن محمد بن عيسى بن راشد الحارثي ولد سنة 1270هـ/1853م بالمضيرب ، نشأ وترعرع على يد والده كان على دراية كبيرة بعلم الكيمياء واستخراج المعادن وبعلم الفلك وخاصة فيما يتعلق بالنجوم والرصد ومعرفة الأوقات ، إضافة إلى إجادته لعلم الهندسة والبناء والتعمير . عاش فترة صباه بالمضيرب فتربى على مبدأ الفروسية واستخدام الأسلحة إلى أن ذاع صيته ولقب بفارس الشلفاء ـ أي طرف الرمح ـ إلا أن الناس تداولت على تسميته بفارس الشرفاء، كان من القادة البارزين في أثناء هجوم الوهابيين على البريمي عام 1290هـ/1871م عندما تقدم الإمام عزان بن قيس بقواته التي تصل إلى 1500 مقاتل إلى البريمي نتيجة استعانة قبائل النعيم به للوقوف ضد الهجوم الوهابي عليها. كان على علاقة بالسلطان خليفة بن حارب سلطان زنجبار وتوجد بينهما مراسلات وخطابات ، خرج إلى زنجبار وأقام فيها فكان من المساندين للسلطان خالد بن برغش في خلافة ضد بريطانيا ومع تزايد نفوذها في زنجبار سجنته الحكومة البريطانية ثم نفته إلى عمان إلا أنه عاد إلى زنجبار عام 1321هـ/1903م وأقام بها إلى أن رجع إلى المضيرب عام 1338هـ/1919م، وظل بها إلى أن توفي في عصر الإمام الخليلي عام 1354هـ/1935م بالمضيرب.
2. عبدالله بن حميد بن عبدالله الحارثي الذي كان طبيبا ماهرا امتاز بفراسة قوية وبقدرة فائقة على تشخيص المرض وعلاجه وهنالك العديد من المواقف التي تشير إلى ذلك منها : " فراسته بموت سليمان بن سويلم وزير السلطان فيصل بعد خروجه من القابل قادما لزيارة الشيخ عيسى بن صالح ومعه سيف محلى بالذهب من أعيان المنطقة للسلطان فقال الطبيب عبدالله لسعيد بن سليم أحد المرافقين له : ليكن نظرك على هذا السيف أظن أن سليمان بن سويلم لا يصل مسقط بل يموت في الطريق فإذا مات فأحفظ السيف حتى ترده لصاحبه فلما كان في وادي العق أطلقت عليه رصاصة فقتلته فرد السيف إلى صاحبه ". توفي سنة 1350هـ/ 1931م بسبب قرحه أصابته فلم يشفى منها وعمره يناهز الستين.